الشيخ علي (26)

الشيخ علي (26)

تعود أن يخرج مبكراً إلى حقله في قرى الإصلاح الجديدة على جانبي الطريق الصحراوي بين القاهرة والإسكندريةحيث يعمل في سعادة بالغة مع أولاده .. اعتمد في أول حياته على مقطورة صغيرة يحمل فيها أمتعته وأهل بيته ، لا يحمل هما لغد وإنما كل همه أن يتابع ما يزرع ثم يكبر ثم يحصد وكم عرفه التجار بأمانته وجودة منتوجاته فكانوا يأتون من المحافظات القريبة لشراء ما عنده من الطماطم والشعير والقمح فضلا عن الفواكه التي تثمر في مواسمها ..

فكر في أن يقيم مصلى صغيراً بجوار أرضه ،ثم توسع فصار مسجدا يؤم فيه المصلين لأنه يحفظ القرآن جيداً منذ طفولته في كُتَّاب قريته الأم التي انتقل منها إلى الأرض الجديدة..

كبر الأولاد وتزوجوا ثم أحس بدفء الأحفاد وهو يخرج أو يعود من حقله إلى قرية السلام حيث يقطنها منذ أربعين عاماً.. بعد ثورة يناير 2011 وجد وجوها غريبة تقابله في غدوه ورواحه .. لم يكن يعبأ بهم ما دام في عمله وحوله أولاده يعاونون في سبيل الحياة.. تعرض ذات مساء لشباب يضع قناعا على وجهه .. انزلْ .. ما معك؟.. سلمَ ما معه وترك الحصان لهؤلاء الذين قطعوا عليه الطريق .. أخذ يحدث نفسه .. عوضي على الله .. ماذا أقول لأولادي؟ .. لو عرفوا ربما تقوم مجزرة فيضيع المال والأولاد وكأنك يابو زيد ما غزيت ولارحت ولا جيت ... وهنتِ الخطى فوصل متأخراً إلى منزله .. بعد تناول العشاء وجد دقاً على الباب لم يخبر أحداً رآه الحصانُ فصهل صهيلا عاليا .. قال: الحمد لله ابن آدم ضيع الأمانة والحيوان الأعجم حفظ الأمانة، أسقط الحصان ُكل من ركبه من قاطعي الطريق فنزلوا يعصبون جروحهم ... ويلوم بعضهم بعضا .. كان كفاية المال والموبايل وكل ما معه في المقطورة... رد كبيرهم :الطمع يقل ما جمع كتم الوالد سره عن أبنائه وأدرك أن عين الله ترعاه وتوجه إلى السماء قائلا : اللهم آمنا في ديارنا وارزقنا الحلال .. نظر إليه الحصان في سعادة .. حنى عليه بوجبة ثريةٍ من الفول .. عرفت القرية بعد أيام ما حدث للشيخ .. قالت في صوت واحد: الحلال يعمر لصاحبه .. مبروك يا شيخ علي.