الملكة .. (1)

الملكة .. (1)

كل من رآها وصفها بكلمة واحدة .. تسمعها .. تنبهر أكثر وأكثر تطوف بين أرجاء الحديقة المحيطة بالقصر .. تتخير مكاناً بين الأزهار الباسمة والعصافير المغردة والظلال الحانية والمياه الجارية وتجلس تتصفح مجلاتها النسائية .. تهتم بالأزياء .. بتسريحات ملكات الجمال .. بآخر ما أنتجته مصانع الملابس الشهيرة وآخر لمسات مصممي الأزياء .. تتخير هذا يعجبني الألوان.. البهرجة في استعمال الرسوم و الدانتيلا والحلي الرقيقة .. أشعر أن هذا واسع قليلا .. هذا أطول .. الأكمام فيه مفتوحة .. تعرض آراءها علي عاشقيها ومجامليها من العاملات معها .. لا تملك إحداهن إلا الثناء والإعجاب بحسن الاختيار..

تقدم لها كثيرمن رتب مختلفة ووظائف شائقة ومناصب عالية .. لا ترفض .. ولا تعلن الموافقة .. لا تشترط إلا أن يكون مثلها متوجاً.. يمر أسبوع وراء أسبوع يأتي الخُطاب متقربين إليها ، تنسى من تقدم وتقارن بين الحاضر والماضي وترسم صورة وردية للمستقبل .. بكرة جميل..

مرت الأعوام وبدأ الوجه الشاحب يعلن عن نفسه وخيوط واهنة تحت العينين والشعر الذهبي يتساقط والخطى المتراقصة بدت ثقيلة .. الأزياء الفخمة علاها التراب وبعضها مزقته زوابع أمشير .. تنظر حولها فتجد زميلاتها تزوجن .. أنجبن ولداً أميرا مفتونا وبنتا أمورة عسولة..

انزلقت رجلاها ذات مساء عندما قدمت لها العاملة النشيطة كرسيا جديداً .. لم تتصور أنها ترقد في المستشفي .. تاهت الثواني والدقائق والساعات .. خفِت صوت الموبايل .. شهراً وهي شبه نائمة لا تدري ما حولها .. دخلت عليها جارتها : ألف مليون سلامة .. ردت حروف متقطعة: خلاص.. الملكة غرقت .. عجزت.. كل الناس تود الاقتران بك .. علي أي شئ ؟ يا خسارة ؟

لا شعر ولا وجه ولا قوام .. ولي الجمال يا ميمي!!

أبداً .. أبداً .. هجم عليَّ الزمان بكل جيوشه الثقيلة..

سامعه الناس .. ماذا ؟

الملكة عادت .. وسعوا الطريق .. علقوا الزينة ..

سقط الكرسي .. لم يعد يستوعبها.

وادي العظام ..(6)

وادي العظام ..(6)

تخرج في هندسة البترول بمرتبة جيد جدا .. قرأ إعلانا مغريا للعمل في الصحراء في التنقيب عن المعادن والبترول واكتشاف الثروات المودعة في باطن الأرض .. ركب الطائرة لأول مرة وبعد ساعة استقر في مكان موحش ليس فيه إلا العاملون معهم .. أعمارهم متقاربة .. الطعام والشراب متوافران والمعلبات أكثر .. الاتصالات الهاتفية تتقطع .. تنشط بعض الأوقات فيطمئن علي أسرته التى تركها منذ شهور ويتمنى أن يعود بشوق بالغ لكن الشركة التى يعمل بها اشترطت العودة كل عشرة شهور والإجازة شهران.. قبل هذا لأنه يريد أن يبنى نفسه ويغامر في الصحراء ويكتشف المجهول.

تنقل من منطقة إلي أخرى وجد حفرة كبيرة تدور حولها الحيوانات والهوام من آن لأخر تدبر الأمر .. نحفر هنا .. ربما ..و ربما انتقلت الحفارات والعمال وأخذوا يعملون بهمة ونشاط أسبوعا كاملا لم يعثروا علي عينات بترولية مطمئنة .. جاء رفيق المهندس يحكى أنه رأى في منامه فرقة كبيرة تعرض لها حيوان مفترس فأتى عليها وابتلعها كالحوت واحدا بعد آخر .. نظر إليه متعجبا .. أنظر هناك وادي العظام .. خرجت جمجمة تقول للجميع بصوت عال مسموع دمنا في رقابكم نحن شهداء الغربة .. شهداء النظام .. من سجن لآخر لم نأخذ حقوقنا دمرنا المتاجرون بدمائنا .. نهبوا كل ما معنا .. لم أجد ما يسترني لا تظنوا أنني لا أسمعكم ولا أراكم أنتم شهود المجازر ووأد العمال أحياء في هذا القفر الموحش ... بلغوا أهلنا أننا عائدون قادمون مع فجر جديد .. أرواحنا تطوف في كل مكان : بلغوا أجيالنا أننا رفضنا .. قلنا: لا .. لم يصدق المهندس أنه يستمع لهذه الجمجمة التى تقول بلسان فصيح ..وجد زحاما كبيرا ظهر في هذا الوادي كل منهم يحمل حجرا كبيرا يلقيه علي رأس تهشم وبقيت عليه حروف متناثرة دك تا تور..

عاد المهندس إلي بيته بعد عشرة أشهر ..وجد الحروف في كل مكان تتناثر .. تزوج وأنجب فخرج ولده معه في رحلة العمل .. ثم سأل والده ما هذا؟

رد بافتخار : وادي العظام .

الشيخ علي (26)

الشيخ علي (26)

تعود أن يخرج مبكراً إلى حقله في قرى الإصلاح الجديدة على جانبي الطريق الصحراوي بين القاهرة والإسكندريةحيث يعمل في سعادة بالغة مع أولاده .. اعتمد في أول حياته على مقطورة صغيرة يحمل فيها أمتعته وأهل بيته ، لا يحمل هما لغد وإنما كل همه أن يتابع ما يزرع ثم يكبر ثم يحصد وكم عرفه التجار بأمانته وجودة منتوجاته فكانوا يأتون من المحافظات القريبة لشراء ما عنده من الطماطم والشعير والقمح فضلا عن الفواكه التي تثمر في مواسمها ..

فكر في أن يقيم مصلى صغيراً بجوار أرضه ،ثم توسع فصار مسجدا يؤم فيه المصلين لأنه يحفظ القرآن جيداً منذ طفولته في كُتَّاب قريته الأم التي انتقل منها إلى الأرض الجديدة..

كبر الأولاد وتزوجوا ثم أحس بدفء الأحفاد وهو يخرج أو يعود من حقله إلى قرية السلام حيث يقطنها منذ أربعين عاماً.. بعد ثورة يناير 2011 وجد وجوها غريبة تقابله في غدوه ورواحه .. لم يكن يعبأ بهم ما دام في عمله وحوله أولاده يعاونون في سبيل الحياة.. تعرض ذات مساء لشباب يضع قناعا على وجهه .. انزلْ .. ما معك؟.. سلمَ ما معه وترك الحصان لهؤلاء الذين قطعوا عليه الطريق .. أخذ يحدث نفسه .. عوضي على الله .. ماذا أقول لأولادي؟ .. لو عرفوا ربما تقوم مجزرة فيضيع المال والأولاد وكأنك يابو زيد ما غزيت ولارحت ولا جيت ... وهنتِ الخطى فوصل متأخراً إلى منزله .. بعد تناول العشاء وجد دقاً على الباب لم يخبر أحداً رآه الحصانُ فصهل صهيلا عاليا .. قال: الحمد لله ابن آدم ضيع الأمانة والحيوان الأعجم حفظ الأمانة، أسقط الحصان ُكل من ركبه من قاطعي الطريق فنزلوا يعصبون جروحهم ... ويلوم بعضهم بعضا .. كان كفاية المال والموبايل وكل ما معه في المقطورة... رد كبيرهم :الطمع يقل ما جمع كتم الوالد سره عن أبنائه وأدرك أن عين الله ترعاه وتوجه إلى السماء قائلا : اللهم آمنا في ديارنا وارزقنا الحلال .. نظر إليه الحصان في سعادة .. حنى عليه بوجبة ثريةٍ من الفول .. عرفت القرية بعد أيام ما حدث للشيخ .. قالت في صوت واحد: الحلال يعمر لصاحبه .. مبروك يا شيخ علي.

الأعدِقاء!!...(27)

الأعدِقاء!!...(27)

تعود أن ينام بجوار مواشيه في الحظيرة .. ينام مبكرا بعد صلاة العشاء مباشرة ويصحو أول النصف الثاني من الليل ... فيوالي ما حوله من البقر والجاموس والغنم والماعز .. يطمئن على أن كل ما حوله بفضل لله بخير .. ترصد مجموعة من شباب ما بعد ثورة يناير.. يجلسون في المقهى يتناولون المخدرات والأقراص .. يسعدون بأنهم يتمتعون فوق ما يتصور جيلهم .. كل يمني نفسه بعروس أو اثنين ما دام الجيب مملوءا .. عرفوا أن يصلوا لأهدافهم بأقصى سرعة ... عرفوا ما يقوم به قُطاع الطريق وأبناء الليل وسرقة الجرارات الزراعية والمواشي والسيارات .. انتقلوا من قرية إلى أخرى سعدوا بأنهم حصلوا على مالا يمكن من آلاف الجنيهات في خبطة أو خبطتين .. دفعهم الشبق والسعار إلى رجل سمعوا عنه في قرية مجاورة عنده خمس بنات جميلات في سن الزواج ولا مانع أن نتقدم إليه واحدا بعد الآخر .. بعد لقاء وآخر يرفض الرجل الفلاح دون ذكر أسباب .. ما فيش نصيب .. أجمعوا أمرهم على سرقة الحظيرة التي بها ما يزيد عن ثلاثين رأسا من الغنم وعشرين رأسا من الجاموس والأبقار .. دبروا أمرهم باصطحاب سيارة نقل كبيرة لحمل المواشي والذهاب بها إلى السوق الكبير في المحافظة التي تبتعد عنهم محافظتين حتى لا يكتشف أحد من تجار المواشي أمرهم أو يدل عليهم وقفوا ثلاثتهم أمام الباب الحديدي الضخم .. وجدوه مغلقا من الداخل .. لابد من إنفاذ المهمة .. يالبنات يالمواشي.. لازم نخرب بيته .. قال كبيرهم نفتح ثغرة في الحائط .. بدأت الطرقات الخفيفة .. بعد منتصف الليل ..سكتَ الرجل .. دخل عليه ابنه البكر أشار إليه اصمتْ لا تتحرك إلا عندما أقول لك .. فتِحت فوهة مدورة تسع جسدا واحدا ينفذ بالطول .. تقدم واحد منهم برجليه ووقف اثنان خارج الحظيرة بعدما وصلت الرِّجلان إلى الداخل أمسك الرُّجُل بواحدة وابنه بأخرى .. نطق اللص .. اتمسكت هنا عفاريت !! .. هما يشدان للخارج وصاحب الحظيرة للداخل .. انحشرت الجثة لا تستطع أن تدخل أو تخرج نظر كبيرهم في غضب انكشفنا .. ما العمل ؟ ..وضع السكين على رقبة ابن الليل فانفصلت الرأس وجرى به اللصان وظلت الجثة حتى طلع النهار وجاءت المباحث والنيابة .. أمِر بدفن الجثة بعد أسبوعين ظهرت الرأس في حقل مجاور تعرف عليه الأهالي توصلت المباحث إلى الجناة. . حُكم بالإعدام شنقا للقتل العمد والسرقة .. خرج أبو أحمد من حظيرته موقنا بأن لله عيونا لا تنام وأنه سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل .. والحارس الله والصلاة على النبي .. قامت أسرة المفصول الرأس بدفنها في حسرة .. نطق أحد الحاضرين : منهم لله .. آدي الأعدقاء.